يشكل هروب الرياضيين أو ما يصطلح عليه بالدارجة “الحريق الرياضي” أحد المواضيع التي تستأثر باهتمام الشارع الرياضي المغربي من حين لآخر كلما انتشرت أخبار هنا و هناك عن استغلال أحدهم فرصة المشاركة في إحدى التظاهرات الرياضية خارج الوطن للتخلف عن ركب العائدين بحثا عن مستقبل أفضل.
وعاد الموضوع إلى الواجهة من جديد قبل أسابيع بعد الانتشار الواسع لفيديو يرمي فيه أنور بوخرصة لاعب التايكواندو ميدالياته في عرض البحر عندما كان على متن قارب للهجرة السرية في اتجاه الأراضي الإسبانية.
بوخرصة ليس الأول و لن يكون الأخير في ظل مجموعة من الظروف الاجتماعية و الاقتصادية الراهنة لكن توثيق لحظة الغضب و إلقاء الميداليات تؤشر على الرغبة في إحداث قطيعة مع ماضي الرياضي و إحساسه بالغبن من محيطه العام مساهما بذلك في عودة النقاش حول الظاهرة و سبل الحد منها رغم أن أعداد الرياضيين الهاربين لا تشكل نسبة مئوية تذكر أمام الكم الهائل من الراغبين في بلوغ الفردوس الأوروبي.
لاعب آخر اختار قارب الموت لبلوغ الضفة الأخرى ويتعلق الأمر بهشام كلوش لاعب جمعية سلا لكرة القدم وإن خروجه مر دون ضجيج مقارنة ببوخرصة مفضلا خوض المغامرة.
مواجهة الموت
“قضينا أربعة أيام في البحر واجهنا خلالها الموت وأجهشت بالبكاء طويلا خشية أن تكون النهاية، لم يعد يهمني الجوع و البرد والعطش حينها فقد كان تركيزي كلع منصب على الوصول إلى البوغاز سالما”. بهذه العبارات يصف هشام كلوش لاعب كرة القدم بعض أجواء مغامرته للوصول إلى إسبانيا على متن قارب صغير يضم 37 مهاجرا سريا.
خطوة كلوش تعتبر تحولا في نمط التفكير عند الرياضيين عموما خصوصا من لم تتح لهم فرصة المشاركة خارج المغرب و استغلال الفرصة للهروب كما حدث مع كثيرين قبله على امتداد العقود الثلاثة الماضية.
يضيف لاعب جمعية سلا المنتمي للدرجة الثاني من الدوري المغربي في تصريح خاص:” الإهمال و المعاملة السيئة أوصلاني إلى التفكير في مغادرة البلاد لكي أبحث لي عن مخرج و بداية أخرى لحياتي بعد معاناة نفسية أصبت خلالها بالاكتئاب بسبب المحيط الاجتماعي الذي لا يرحم.كان طموحي كبيرا في المجال الرياضي بعدما اخترت التضحية بمساري الدراسي مقابل التفرغ لكرة القدم لكنني واجهت الجحود من النادي الذي تدرجت في جميع فئاته السنية حتى وصلت لفئة الكبار مما خول لي حمل القميص الوطني للناشئين و الشباب و الأولمبيين.”
و عاد موضوع بوخرصة للواجهة من جديد قبل أيام عقب تبادل رواد مواقع التواصل الاجتماعي لصورة بطاقة مشاركته في إحدى المنافسات المحلية معتبرين الخطوة مؤشرا على قرب تجنيسه للدفاع عن ألوان إسبانيا مما حدا به للرد عبر صفحته على فايسبوك متوعدا بفضح المسؤولين الذين تواصلوا مع نظرائهم الإسبان لمنعه من المشاركة بإسم بلادهم.
هروب الرياضيين بدأ منذ سنوات فلا تكاد يمر شهر دون أن ينتشر خبر عن تخلف فرد أو أفراد من بعثة مغربية بعد مشاركتها في إحدى المنافسات خارج البلاد في رياضات مختلفة منها الدراجات و ألعاب القوى و كرة القدم الشاطئية و الكيك بوكسينغ و المصارعة بل إن الأمر لم يقتصر على الذكور بعد قرار لاعبة في فريق أولمبيك أسفي لكرة القدم البقاء في إسبانيا إثر مشاركتها في بطولة كوتيف الدولية صيف 2018.
عوامل انتشار الظاهرة وسط الرياضيين
يعتبر عزيز داودة المدير الفني للاتحاد الافريقي لألعاب القوى الظاهرة طبيعية لثلاثة عوامل أساسية أولها أن الحركة الرياضية في أوروبا تتميز بالربح المادي و الجاذبية و ثانيها الصعوبة التي يواجهها الرياضيون في إفريقيا عموما للعيش من الرياضة أما الثالث فيتجلى في كون المستوى المتوسط لأغلب الذين يقررون الرحيل مستواهم متوسط و تضاؤل حظوظهم في المشاركة في التظاهرات الكبرى مثل الألعاب الافريقية و الأولمبياد.
ويضيف منصف اليازغي الباحث في السياسات الرياضية إلى الدوافع السالفة أسبابا أخرى منها عجز الاتحادات الرياضية عن تأطير الممارسين لضعف ميزانياتها و ظروف الممارسة السيئة و المستوى الدراسي المتواضع للرياضيين فضلا عن مسؤولية الدولة نفسها عن الوضع العام السائد في القطاع، موضحا في السياق ذاته أن الظاهرة عالمية و لا تقتصر على المغرب و افريقيا فقط بل توجد كذلك بين دول أوروبا و أمريكا إلى درجة أن كندا أصبحت تطالب بعض البلدان بضمانات من أن أجل عودة رياضييها بعد المشاركة في تظاهرات رياضية هناك.
و اتفق اليازغي مع داودة في كون أغلب المهاجرين لا يستطيعون فرض أنفسهم في بلدانهم لذلك يقررون البحث عن آفاق أخرى بل إن كثيرين منهم لا يتابعون مسارهم الرياضي ليتحولوا إلى عمال في مجالات أخرى، في حين تشكل حالات نادرة الاستثناء مثل محمد ربيعي ملاكم حي البرنوصي الشعبي في مدينة الدار البيضاء الذي اعتمد على إمكانياته الذاتية المتواضعة للوصول إلى الملاكمة الاحترافية.
الإهمال و الجحود
و يصف هشام كلوش جانبا من معاناته في مدينته سلا:”تعرضت لإصابة في الرباط الصليبي و الغضروف فأجبرني اتحاد الكرة على الخضوع للعملية عند طبيب بعينه بدل طبيب المنتخب الأول المتخصص فكانت النتيجة فشل العملية و خضوعي مرة ثانية للجراحة. غبت بعدها لمدة طويلة عن الملاعب ناضلت خلاله بقوة لكي أستعيد مستواي فلم أواجه بغير النكران و الجحود في النادي. لقد دمروني.”
و تابع بخصوص وضعيته الحالية:”أتواجد حاليا في مدريد بعد مرور قصير بفرنسا قررت العودة إلى إسبانيا للشروع في الحصول على إقامة شرعية لكي يتسنى لي البحث عن فريق يمكنني أن ألعب في صفوفه فوضعيتي القانونية تصعب علي المهمة في الوقت الراهن. السلطات الإسبانية تعاملت معنا بإسبانية عند وصولنا إلى قادس بتوفير الملابس و الأكل و الإقامة قبل أن تمنحنا بطاقة تثبت هويتنا تفاديا للمشاكل مع الشرطة لاحقا.”
سر الاهتمام الواسع بهروب الرياضيين
و عن السبب في الصدى الواسع الذي تلقاه هجرة الرياضيين مقابل الهجرة المنظمة للأدمغة و كذا الهجرة السرية للآلاف سنويا قال منصف اليازغي إن للرياضة سحر خاص يميزها عن باقي المجالات لذلك نجد أن هزيمة المنتخب في بطولة قارية يمكن أن تجر الوزير و عدد المسؤولين إلى المساءلة أمام البرلمان في حين لا يكترث أحد عندما يضيع وزير للاقتصاد مثلا صفقة قياسية على بلاده.
ويجد ممارسو رياضات أخرى غير مؤطرة و لا تحظى بشعبية مثل غيرها أنفسهم أمام أفق مسدود وإن كانت كرة القدم لا تختلف عن البقية لكون الأندية المتوسطة و الصغيرة لا تضمن غير راتب شهري يضمن للاعبين تدبير أمورهم اليومية بشق الأنفس.
و في غياب إحصائيات دقيقة عن الظاهرة فإن داودة يكشف عن جانب آخر من الهجرة يتسبب في مآس اجتماعية لكون أوروبا لا تستقطب الجميع و الصور النمطية السائدة في أذهان الأفارقة تمنحهم آمالا عريضة بإمكانية النجاح بسهولة في الضفة الشمالية وهو أمر بطبيعة الحال غير واقعي يصدم الكثيرين لاحقا، مؤكدا في الوقت ذاته أن الاتحاد الدولي لألعاب القوى مثلا سن قوانين جديدة ستحد من الظاهرة بنسبة كبيرة إذ أصبح من الصعب تغيير الجنسية و خوض المنافسات بقميص منتخب آخر إلا بالهجرة في سن صغيرة والإقامة في بلد الاستقبال لمدة طويلة.