كرس الجمع العام لجامعة ألعاب القوى الصورة النمطية عن الطريقة المغربية الفريدة في تدبير الخلاف بين الفرقاء اعتبارا لكون الظاهرة لا تقتصر على الرياضة فقط بل تشمل جميع مناحي الحياة اليومية في تحول جذري يعكس تحولا كبيرا في القيم المجتمعية بشكل عام.
الجمع العام الانتخابي طبعه الصراع منذ الإعلان عن موعد عقده حتى نهاية عملية التصويت، صراع لم يصل في أي لحظة إلى مناقشة الأفكار و تصورات و خطط عمل واضحة المعالم بل اقتصر على الشكليات و مهاجمة الأشخاص.
أحيزون كان واثقا من الفوز فالتجربة التي راكمها في الجامعة خولت له حسم الأمر و درايته بعالم المال و الأعمال تعززت بخبرة جديدة في التدبير الرياضي على رأس إحدى أقوى الجامعات في المغرب وأهمها اعتبارا للإنجازات و المكتسبات التي حققتها رياضة أم الألعاب على امتداد السنوات الماضية.
راهن الرئيس الحالي منذ البداية على رؤساء الأندية والعصب أو من يدبر شؤونها لكسب الرهان باعتبارهم الحلقة الأضعف في التدبير الرياضي في المغرب عموما نظرا للاختلالات الكبيرة التي يشهدها العمل داخل الأندية في شقيه الإداري والتقني على حد سواء لذلك فاستمالة أصواتها لم تكن عملا شاقا.
وباعتبار أحيزون يدير إحدى أكبر المؤسسات في عالم المال والأعمال فإنه يعلم جيدا تأثير “اللعاقة” في كسب القلوب و المؤيدين بل والحياحة كما جرت العادة في كل تجمع سعيا وراء التكسب أو قضاء مصلحة أو حاجة من حوائج الدنيا.
رغم إعلان الرئيس فائزا بعهدة انتخابية جديدة إلا أنه خرج خاسرا من الصراع مع منافسه الكروج يوم 22 يوليو بعدما ظهر جليا التصدع في عائلة ألعاب القوى بخروج نسبة كبيرة من الأبطال السابقين من جلباب أحيزون وتمردهم عليهم وانخراطهم في حملة مكثفة لتحقيق ذلك طيلة الأيام التي سبقت الجمع العام.
قد يكون أحد المتدخلين خلال الجمع العام محقا عندما كشف لأحيزون إحدى نقاط ضعفه المتمثلة في المحيطين به خصوصا بعدما نجحوا في إبعاد الأبطال وحدا تلو الآخر حتى كانت القطيعة بين الطرفين وهي جزئية لم ينتبه إليها الرئيس حتى وإن كانت مطالب البعض منهم تقتصر على منافع شخصية فقط مادام أن المستفيدين الحاليين لا يختلفون عنهم في شيء.
في المقابل ارتكب هشام الكروج مجموعة من الهفوات التي ساهمت في خسارته على الأقل بناء على النتائج المعلنة يومها في مشهد فوضوي أصبح معتادا في كل الجموع العامة للتغطية على ما يجري و خلط الأوراق.
الكروج راهن منذ البداية على نقطة وحيدة تتعلق بقانونية ترشح أحيزون لولاية رابعة و إهمال نقاط أخرى يمكن أن تكون نواة لخطط بديلة تكفل له النجاح مادام أن الرهان على الولاية الثالثة أو الرابعة لا تصمد طويلا أمام المعطى القانوني المتعلق بعدم رجعية القوانين كما أكد ذلك أحد قضاة غرفة التحكيم الرياضي المغربية.
هشام راهن على شعبيته رفقة الأبطال السابقين المنضمين لقائمته الانتخابية وإنجازاته في المضمار ونجوميته في المجال في حين أن تدبير مؤسسة أو جمعية رياضية يتطلب خبرات أخرى في مجالات الإدارة والاقتصاد والمحاسبة والقانون دون التقليل بطبيعة الحال من الأسماء الوازنة التي ضمتها قائمته.
الكروج وفريق عمله سقط في أخطاء قاتلة حينما أظهر قصورا في العمل داخل الكواليس لاستقطاب الأصوات والمعروف أن استمالة الناخبين في المغرب لا تتأتى بالإقناع وقوة الأفكار و المشاريع و المقترحات بل بالمصلحة الشخصية لكل مصوت على حدة، فضلا عن سقوطه في تناقض بالطعن في قانونية الجمع والمشاركة فيه في الوقت نفسه فانسحابه حينها سيكون منسجما مع أفكاره.
تضخم الأنا عند أحيزون والكروج و اعتزازهما بالنفس حول مجرى الصراع ليكون ذا طابع شخصي انصب على أمور ثانوية و هامشية بدل أن يكون صراعهما فكريا يشكل تمرينا ديموقراطيا يبتسم فيه المنهزم ويهنئ منافسه بكل روح رياضية.
عقلية الشيخ و المريد ما زالت تؤسس للعلاقة بين الأطراف داخل المجتمع فالسياق العام لم ينضج بعد للارتقاء إلى مستوى أكبر يؤسس لعمل المؤسسات لذلك لا يمكن لوم أحيزون و لا الكروج في هذا الجانب، ومن هذا المنطلق يمكن فهم قولة الأول خلال الجمع العام “أنا كنت بغيت نمشي ولكن نتوما بغيتوني نبقى”.