لماذا لم يتقبل جمهور الجيش العقوبات المسلطة على فريقه بعد أحداث مباراته مع الرجاء الأربعاء الماضي؟ هل تجاوز الجمهور حدوده بمعارضة تنفيذ عقوبات على مخالفات ثابتة بالقانون؟ لماذا عاد اللغط عن الشغب بعد مباراة الجيش تحديدا؟ هل أحس جمهور العاصمة أن فريقه مستهدف؟ ألا تكيل جامعة الكرة بمكاييل مختلفة في تعاملها مع الأندية؟ لما تتساهل الجامعة مع أندية و تقسو على أخرى؟
أسئلة كثيرة يمكن طرحها من خلال ما راج و يروج في الساحة طوال الأيام القليلة الماضية التي تلت مباراة الجيش و الرجاء في ختام مرحلة الذهاب من البطولة الوطنية. أسئلة تستمد شرعيتها من كون الموضوع تكرر كثيرا في السنوات الماضية حتى بات يدخل الشك في أنفس جمهور العاصمة تحديدا.
الشغب بات يؤثث كل مباريات الجيش و الرجاء سواء في الرباط أو الدار البيضاء بسبب العداوة التي استعرت في السنوات الماضية بين جمهور الفريقين غدتها بعض الأقلام الحاقدة و الصفحات المهيجة المحرضة على الفتن و المستفيدة بطريقة خبيثة مما يحدث.
الشغب ليس قصرا على مباريات ما يسمونه الكلاسيكو فهو ظاهرة اجتماعية قبل أن يكون رياضية والمقاربة الأمنية التي ظل الجميع يروج لها و يرهن نفسه فيها قاصرة لأنها تهمل جوانب أخرى لا علاقة لجامعة كرة القدم و وزارة الداخلية و وزارة الشباب و الرياضة بها لسبب بسيط أن جذورها تمتد لتربة أعمق من ذلك بكثير.
الشغب نتيجة تحول يشهده المجتمع واختلال في منظومة القيم و الأخلاق أنتج جيلا ضائعا فقد البوصلة وخرج عن نطاق السيطرة بغياب نماذج تشكل له المثل الأعلى بسبب تراجع دور الأسرة و المدرسة واستلام الشارع مهمة التأطير بمفهومها السلبي.
حصر الشغب في الرياضة قصور كبير مقاربة الظاهرة يؤدي لنتائج مغلوطة لأن ملاعب الكرة ليست السبب وراء الظاهرة بل المفجر لطاقة مكبوتة لدى الشباب فهي نار تحت الرماد تتوهج كلما هبت عليها بعض الرياح.
الشغب نتيجة تفكك مجتمعي و انحطاط في سلوك الجماعة والفرد يرفض الكثيرون الجهر به لكونه يفضح فشل التدبير السياسي والاجتماعي والاقتصادي للدولة و مؤسساتها و الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال إلى اليوم.
الشغب حالة من حالات العنف المتواجد في كل الفضاءات المغلقة و المفتوحة بداية من الأسرة وصولا إلى المدرسة والجامعة، والعنف أنواع و أخطره العنف النفسي الذي يمارس بسادية على الجميع ويخلف ندوبا نفسية تنعكس على سلوك الأجيال المتعاقبة.
شغب الملاعب يقف خلفه قاصرون لكن من يقف خلف شغب مؤسسات و مسؤولين يذكون نار الفتنة لأسباب مختلفة؟ وكيف السبيل إلى معاقبة جهات تسخر إمكانيات ضخمة لشيطنة هذا الطرف أو ذاك و تحويل النقاش عن مساره؟ ألا تخدم هذه الأحداث أجندات خاصة؟
بتسليطها عقوبات مشددة على فريق الجيش قدمت جامعة الكرة مثالا على شغب مؤسسة خصوصا وأنها كانت رحيمة بأندية أخرى ارتكب جمهورها فضائع كثيرة و عاث فسادا في الملاعب و الشوارع و الممتلكات الخاصة.
إذا كان جمهور الجيش قد خرج للشارع للاحتجاج على العقوبة المسلطة على فريقه فهو ضمنيا يحتج على استهداف فريقه و يكشف وعيا متزايدا بحجم الحملة التي تروم حل الفريق ومحوه من الوجود، فالأمر لم يعد خافيا بعد خروج البعض في السنوات الأخيرة لإعلان نيته صراحة في إعدام النادي.
الحملة الشرسة التي يتعرض لها الفريق بحجته أنه يمثل مؤسسة عسكرية هي في الواقع تسعى لمحو جانب من الذاكرة الرياضية للمغرب من جهة و التخلص من منافس شرس من جهة أخرى باعتباره الوحيد القادر على خلق التوازن على الساحة أمام لوبي زاد نفوذه في السنوات الأخيرة وتجبر.
جمهور الجيش فهم اللعبة من البداية لذلك لجأ إلى صورة مؤسس النادي في شخص الملك الراحل الحسن الثاني لما يشكله ذلك من رمزية في بلد لا يتورع أبناؤه عن قتل رموزهم و آثارهم، وهو بذلك ينوب عن إدارة النادي التي تقوقعت على نفسها و تخلت عن دورها رغم قوة المؤسسة التي تمثلها وثقل الموروث الرياضي للنادي العسكري.
الساعون لتحطيم الهالة الرمزية للجيش الملكي يستغلون أضعف مكوناته ممثلة في فئة من الجمهور القاصر المنفلت من كل رقابة لتمريغ صورة النادي و جمهوره في التراب مستغلين تواطئ مجموعة من وسائل الإعلام التي تخلت طواعية عن دورها مقابل لعب دور “تنكافت” مقابل دراهم معدودة.
بلغت السفالة ببعض وسائل الإعلام حد تجهيز فرق تصوير كاملة لالتقاط جرم مفترض لجمهور معين دون غيره و إعداد روبورطاجات في حين تغمض العين عما يجري من جرائم قرب مقراتها مانحة بذلك دروسا عالمية في “المهنية البيضاوية الشكل”.
وسائل التواصل الاجتماعي شكلت بدورها وقودا لإذكاء نار الفتنة والتفرقة بين الجماهير محولة ملاعب الكرة إلى ساحات حرب بين مجموعة من القاصرين لا يدركون حجم اللعبة التي انخرطوا فيها دون وعي.
إذا كان الأمن قد تحرك بسرعة لتطويق مجموعة من جماهير الجيش و أحد المسؤولين عن صفحة فايسبوكية فلماذا لم يقم بالخطوة نفسها في حق المحرضين على القتل و الترهيب قبل مباراة الأربعاء؟ علما بأن بعضها ظهر في تسجيلات يحمل سيوفا ويهدد جماهير الفريق المنافس.